فصل: (سورة التوبة: آية 87)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} (104) أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك.
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} (106) أي مؤخرون، يقال: أرجأتك، أي أخرتك.
{عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ} (109) مجاز شفا جرف شفير، والجرف ما لم يبن من الرّكايا لها جول، قال:
جرف هيام جوله يتهدّم

و{هار} مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، قال العجّاج:
لاث به الأشاء والعبرى

أي لائث. ويقال: كيد خاب أي خائب، لات: بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة ومجاز الآية: مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه.
{إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} (110) إلا هاهنا غاية.
{إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (114) مجازه مجاز فعّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقا وفرقا ولزوما لطاعة ربه، وقال المثقّب العبدىّ:
إذا ما قمت أرحلها بليل ** تأوّه آهة الرجل الحزين

{تزيغ قلوب فريق منهم} (117) أي تعدل وتجور وتحيد، فريق: بعض.
{رَءُوفٌ} (117) فعول من الرأفة وهى أرق الرحمة، قال كعب بن مالك الأنصاري:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ** هو الرحمن كان بنا رءوفا

وقال:
ترى للمسلمين عليك حقا ** كفعل الوالد الرؤوف الرحيم

{رَحُبَتْ} (118) أي اتسعت، والرحيب الواسع.
{مَخْمَصَةٌ} (120)، المخمصة: المجاعة.
{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ} (122) مجازه: فهلّا، وقد فرغنا منها في غير موضع.
{يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} (126) وهو من الفتنة في الدين والكفر. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها التوبة:
على الحقيقة هي التقارب بالحدود مثل المسامتة، وهى المماثلة في السمت الذي هو الجهة، وذلك من صفات الأجسام، وذوات الحدود والأقطار. فالمراد إذن بالمحادّة هاهنا كون الإنسان في غير الحد الذي فيه أولياء اللّه سبحانه. فكأنهم في حد، وأولياء اللّه سبحانه في حد. وكذلك الكلام في مشاقّة اللّه تعالى على أحد التأويلين، وهو أن يكون الإنسان في شق أعداء اللّه وحربه، لا في شق أوليائه وحزبه.
وحقيقة الكلام أن يكون المراد به محادّة أولياء اللّه على الصفة التي ذكرناها فقال تعالى: {يُحادِدِ اللَّهَ} كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي يؤذون أولياء اللّه ورسوله، لأن الأذى لا يجوز على من لا تلحقه المنافع والمضار، والمساءات والمسارّ.

.[سورة التوبة: آية 64]

{يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64)}
وقوله سبحانه: {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ} [64] وهذه استعارة. لأن السورة نطقها من جهة البرهان لا من جهة اللسان.
فكأنه سبحانه أراد أنّ الناس يعلمون بهذه السورة النازلة في المنافقين بواطن نفوسهم، وعقائد قلوبهم.

.[سورة التوبة: آية 87]

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)}
وقوله سبحانه: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} [87]. الخوالف: النساء المقيمات في دار الحي بعد رحيل الرجال. وإنما سمى النساء خوالف تشبيها لهن بالخوالف، التي واحدتهن خالفة، وهى الأعمدة تكون في أواخر بيوت الحي المضروبة.
فشبّههنّ- لكثرة لزوم البيوت- بالخوالف التي تكون في البيوت.
وقد قيل إن الخوالف أيضا زوايا البيوت، واحدتها خالفة. والمعنى واحد. وقد يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} حقيقة الخوالف التي هي أعمدة البيوت. أي رضوا بأن يكونوا في بيوتهم، فيكونوا- بالملازمة لها- كخوالفها وأعمدتها.
وقد يجوز أيضا أن يكون الخوالف هاهنا جمع فرقة خالفة. وهى الجماعة التي تقعد عن الغزو، كالشيوخ، والنساء، وذوى العاهات، والولدان. ومما يقوى ذلك قوله تعالى أمام هذا الكلام: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ} [83].
وكنت سمعت شيخنا أبا الفتح عثمان بن جنى النحوي- رحمه اللّه- يقول ذلك، ويذهب إلى مثله أيضا في قوله سبحانه: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ} ويقول: هي جمع فرقة كافرة. إلا أن الكلام يكون على القول الأول استعارة. ويكون على هذا القول حقيقة.

.[سورة التوبة: آية 98]

{وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)}
وقوله سبحانه: {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} [98]. وهد استعارة....... عليهم أيام السوء، لأن الأيام والشهور قد تسمى دوائر، على طريق الاستعارة. فليس لأنها ترجع بأعيانها، وإنما تعود أشباهها وأمثالها، فشهر كشهر، ويوم كيوم، وساعة كساعة، وسنة كسنة. يقال دارت السنون، ودارت الشهور على هذا المعنى. إلا أن هذه اللفظة، أعنى الدائرة والدوائر، قد اختص ذكرها بالمواضع المكروهة. فيقال: دارت عليهم الدوائر، إذا أهلكتهم الأيام، وأفنتهم الأعوام.
ويقال: دارت لهم الدنيا. إذا وصفوا بمواتاة الإقبال، وانتظام الأحوال. فكأنّ التمييز في الخير أو الشر إنما يقع بقولنا: دارت لهم، ودارت عليهم.

.[سورة التوبة: الآيات 109- 111]

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}
وقوله سبحانه: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ} وهذه استعارة.
والمراد بها ذكر ما بناه المنافقون من مسجد الضرار، بعد ما بنى المؤمنون من المسجد المعروف بمسجد قباء. لأن المؤمنين وضعوا هذا البناء، وهم مؤمنون متقون، عارفون موقنون، فكأنهم وضعوه على قواعد من الإيمان، وأساس من الرضوان. والمنافقون إنما وضعوا ذلك البناء كيدا للمؤمنين، وإرصادا للمسلمين. فكأنهم وضعوه على شفا جرف هار متقوض، وأساس واه منتقض، فكأنما انهار بهم في نار جهنم، أي أسقطهم ذلك الفعل في عذاب النار، ودائم العقاب. وهذه من أحسن الاستعارات.
وقوله تعالى: {لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} فهذه استعارة. ومعناها أن ذكر البنيان الذي بنوه لا يزال ريبة في قلوبهم، يخافون معها إنزال اللّه بهم ضروب العقاب، أو بسط المؤمنين عليهم لما ظاهروهم من العناد والشقاق. فهم أبدا بنفوسهم مستريبون، وعليها خائفون مشفقون. فلا يزالون على ذلك إلا أن تقطع قلوبهم حسرة، وتزهق نفوسهم خيفة.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [111] وهذه استعارة. وذلك أنه سبحانه لما أمرهم ببذل نفوسهم وأموالهم في الجهاد عن دينه، والمنافحة عن رسوله عليه السلام، وضمن لهم على ذلك الخلود في النعيم، والأمان من الجحيم، كانت نفوسهم وأموالهم بمنزلة العروض المبيعة، وكانت الأعواض المضمونة عنها بمنزلة الأثمان المنقودة، وكانت الصفقة رابحة لزيادة الأثمان على السلع، وإضعاف الأعواض على القيم.
وجملة هذا الباب أن العبادات كلّها كالتجارات، في أنها طلب للمنافع. فالعبادات طلب لمنافع الآخرة، والتجارات طلب لمنافع الدنيا.

.[سورة التوبة: الآيات 117- 118]

{لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}
وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [117] وهذه استعارة.
لأن حقيقة الزّيغ الاعوجاج والميل. والمراد: من بعد ما كادت قلوبهم تزول من عظم الخيفة، وتقنط من نزول الرحمة، فتكون بذلك كالشيء الزائغ بعد الاستقامة، والمستمال بعد الثبات والرصانة.
ومن الدليل على ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية: {حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [118] فهذه أيضا استعارة. لأن النفس بالحقيقة لا توصف بالضّيق والاتساع، وإنما المراد بذلك المراد بالقول الأول من أنه عبارة عن انضغاط القلوب بشدة الكرب، وبلوغها منقطع الصبر.

.[سورة التوبة: آية 120]

{ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)}
وقوله سبحانه: {ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [120] وهذه استعارة. والمراد بها أنهم لا ينبغى لهم أن يكرموا أنفسهم عما يبذل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيه نفسه، ولا يحفظوا مهجهم في المواطن التي تحضر فيها مهجته، اقتداء به، واتباعا لأثره. وهذه لفظة يستعملها أهل اللسان كثيرا، فيقولون: رغبت بنفسي عن الضيم، وأرغب بك يا فلان عن القتل، أي أضنّ بنفسي عن أن تذل، وأنفس بمثلك عن أن يقتل.
فالظاهر يدل على أنهم رضوا بنفوسهم عن نفس النبي صلّى اللّه عليه وسلم. والمراد:
وما كان لهم أن يرغبوا بالنفوس عن.... التي ينزلها نفسه ويعرض فيها مهجته.

.[سورة التوبة: الآيات 124- 125]

{وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيمانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيمانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)}
وقوله سبحانه: {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيمانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيمانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ} وهذه استعارة ظاهرة. وذلك أن السّورة لا تزيد الأرجاس رجسا، ولا القلوب مرضا، بل هي شفاء للصدور، وجلاء للقلوب. ولكن المنافقين لما ازدادوا عند نزولها عمى وعمها وازدادت قلوبهم ارتيابا ومرضا، حسن أن يضاف ذلك إلى السورة، على طريق لأهل اللسان معروفة.
وقد استقصينا الكلام على ذلك في عدة مواضع من كتابنا الكبير. فمن أراد بلوغ أقاصى هذه الطريقة، والضرب في أقطارها والتفسح في أعطانها، فليتتبع مواضعها من ذلك الكتاب بمشيئة اللّه.

.[سورة التوبة: آية 128]

{لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)}
وقوله تعالى: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} [128] وهذه استعارة. والمراد بأنفسكم هاهنا- واللّه أعلم- أي من جنس أنفسكم وخلقكم، لتكونوا إليه أسكن، وإلى القبول منه أقرب. ويجوز أن يكون من أنفسكم أي من قبيلكم وعشيرتكم، كما يقول القائل: فلان من أنفس بنى فلان. أي من صميم أنسابهم، وليس من وسائطهم وملاصقهم.
وقد يجوز أن يكون المراد برسول من أنفسكم، أي من أشقائكم وأعزّائكم، كما يقول القائل لذى ودّه والقريب من قلبه: أنت من نفسى، وأنت من قلبى. أي أنت شقيق النفس، وقسيم القلب.
ومما يقوّى ذلك قوله سبحانه: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)} أي بحبّه لكم، وميله إليكم، يعزّ عليه أن تعنتوا وتعاندوا فتحرموا الثواب، وتستحقوا العقاب، فهو حريص على إيمانكم رأفة بكم وإشفاقا عليكم. اهـ.